كتاب أسطورة الأدب الرفيع للباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي

كتاب أسطورة الأدب الرفيع للباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي

أسطورة الأدب الرفيع هو كتاب للباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي صدرت الطبعة الشرعية الأولى للكتاب في بغداد عام 1957 ثم صدرت بعد ذلك الطبعة الثانية للكتاب في لندن عام 1994.
كتاب أسطورة الأدب الرفيع
كتبت هذا المقال عندما انتهيت من قراءة الكتاب في عام 2012 يروي علي الوردي في كتابه (أسطورة الأدب الرفيع) قصة حدثت في بغداد ، حيث كتبت هيئة نقل الركاب مؤكدًا عدد الحافلات في حافلاتها التي تطلب من ركابها مساعدة التاكسي "بأقل قدر من النقد الكافي" ، وأراد منهم أن يكتبوا "بما فيه الكفاية" بدلاً من "كافية" ، ولكن الاهتمام لا يهمهم. وأوضح الوردي أن هذا الاهتمام كان أكثر أهمية للركاب لفهم الجملة من كونها صحيحة لغوياً.

ثم ينتقد الوردي بعنف وبقسوة اللغة العربية وعلم التعبير في كتابه ، وعلى الرغم من اختلافي معه بشأن بعض النقط ، إلا أنني أتفق معه على أننا جعلنا اللغة العربية و خطاب هاجس مخيف للكاتب والمتلقي. يبدو لي أن أحد أسباب ذلك هو أن غالبية اللغويين والكتاب يصرون على تعظيم التراث الأدبي العربي وجعله منارة ينبغي على الأجيال الجديدة تقليدها ، مهما كان وقتهم وظروفهم.

قد نفهم أن المراد هو الحفاظ على جمال اللغة وقواعدها، ولكن كيف نطلب من شاب أو فتاة يعيشان مرحلة ما بعد الحداثة، في عالمٍ لم تعد لغة واحدة تكفي للعيش فيه، ولم يعد تعريف الأدب بالنسبة لهما محصورا في تراث لغتهما الأم، بل تعدى ذلك إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية وغيرها من اللغات المتداولة في العالم، أن يقرأا البيت الشهير لامرئ القيس «مكر مفر مقبل مدبر معا.. كجلمود صخر حطه السيل من عل» دون أخطاء!

وأتساءل هنا: لماذا نُنَصّب تراثنا الأدبي العربي مقياساً لمدى ارتقاء ثقافتنا واتساع علمنا وعذوبة صورنا الأدبية؟ لا يهمني أن يعرف الشباب امرأ القيس أو يتغنوا بأبياته، ولكن يعنيني كثيراً ألا يفقدوا ثقتهم بجمـال لغتهم بأن يصنّفوها بأنها لغة «كلاسيكية». ولعمري إنهم سيفعلون ذلك إن أوغلنا في تقعير كتاباتنا، وأثقلنا في استخدام الصـور البلاغيـة والجمل الدلالية بإفراط. يقول الوردي: «يمكننا تشبيه النحـو العـربي بالعقـدة النفسية (…) فالخطـيب لا يستطيع أن ينطـلق في كـلامه مخـافة أن يخطـئ في النحـو. والمستمعـون لا يكترثون بما يأتـي به من المعـاني، إنمـا هـم يركزون عنايتهم فـي تتبـع حـركـات الإعـراب من كلامه. وهم لابد أن يعثروا فيها علـى لحـن، فيهـزون رؤوسـهم آسفين كأن الكلام لا يحـتوي إلا عـلى الفتح والضـم والكسـر والسكون».

وهذا فعلاً ما يحدث لنا اليـوم، فلقـد انقسم المتلقـون إلـى فـريقين: فريق يبحث عن الجناس والطباق والتـورية والتصاوير اللغوية الكلاسيكية ليُقِرّوا بأن الكاتب أو المتحدث يستحق الاهتمام. وفريق رفع راية الاستسلام البيضاء ويمم شطْر الأعمال الأدبية المكتوبة بلغات أخرى غير العربية أو الشعر المترجم المعاصر، الذي قال لي شاعر عربي بأنه يستمتع بقراءته أكثر من الشعر العربي لأنه أقرب إلى فهمه ويصف ما بداخله بسهولة ويسر.

إن الأدب العربي اليوم، بسبب العولمة وتسارع نمط حياة ما بعد الحداثة، مستعد للتطور والتجديد. إنها لحظات تاريخية تفتح باب الفـرص لمجـددي الخطـاب البلاغي العربي. وقد تكون وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة كونية وستنقضي بعد سنوات، ولكن إفرازاتها الحضارية ونتائجها ستبقى وستغير في وجه الثقافات العالمية، وليس العربية فقط.

ومن هذه الإفرازات: الاختصار، والبساطة، واستخدام اللفظ المتداول والبعد عن الإبهام المُفرط. ولا يسعنا في خضم هذه التطورات الإنسانية أن نقول للأجيال الجديدة إن الصواب كل الصواب في قراءة المتنبي وأبي فراس الحمداني وتقليدهما، وعلى رغم حبي الشـديد جـداً لهما، إلا أنني أدركُ بأن أبنائي لن يقرأوهما كما فعلت، وإن فعلوا، فلن يتذوقوا جمال شعرهما كما فَعَلا أبي وأمي.

نحنُ في حاجة إلى تجديد في الثقافة العربية بدءاً باللغة وانتهاء بالإنتاج الأدبي. ولا أعني بالتجديد أي إلغاء القديم، ولكن عدم تقديم اللفظ على المعنى، وعدم تغليب القاعدة اللغوية على الفكرة الأدبية. ونحتاج لتحقيق ذلك إلى أدباء ينهلون من القديم ثم يعيدون غربلته ويقدمونه بصيغ أكثر قرباً للفهم الاجتماعي العام. فلقد استطاع دانتي أن يفعل ذلك عندما مزج في كتاباته بين مختلف اللغات الإيطالية، الجنوبية والشمالية، لمواجهة المد اللاتيني؛ وأسس لغة جديدة أصبحت بعد ذلك لغة الأدب.

وفي نفس الوقت اللغة المتداولة بين الناس، فتأثر بها بترارك، شاعر النهضة الإيطالية الشهير الذي عاصره واستفاد منه الأديب بوكاتشيو. يعزى فضل إيجاد اللغة الإيطالية التي بين أيدينا اليوم لأولئك الأدباء الثلاثة وغيرهم ممن استطاعوا بعبقرية الأديب وبعذوبة الشاعر أن يجعلوا من الأدب لغة مفهومة ومستساغة بين الناس. يقول أبو حيان التوحيدي في وصف البلاغة: «هي ما رضيته الخاصة وفهمته العامة».

معلومات الكتاب

  • أسطورة الأدب الرفيع لـ الدكتور علي الوردي
  • مؤلف الكتاب: علي الوردي
  • قسم الكتاب: الأدب
  • لغة الكتاب: العربية
  • عدد صفحات الكتاب: 314 صفحة 
  • ناشر الكتاب: دار توبقال للنشر

إرسال تعليق

0 تعليقات